
الفقه الجنائي في سورة يوسف عليه السلام
الفقه الجنائي في سورة يوسف عليه السلام
تضمن القرآن الكريم بِنَظْمِه البَدِيع كَافَة الأَحْكَام المُتَعَلِّقَة بالنظام الجنائي المعاصر بأنواعه المختلفة ، بل إن سورة يوسف وحدها تضمنت كل معالم النظام الجنائي الحديث والمعاصر بنوعيه الموضوعي والإجرائي، ذلك أن النظام الجنائي أو القانون الجنائي هو فرع من فروع القانون العام تمارس الدولة بمقتضاه سلطتها في التجريم والعقاب من الناحية الموضوعية والإجرائية ، فتحدد من الناحية الموضوعية الأفعال المعتبرة جرائم وتنص علي الجزاءات المقررة لها ، كما تنظم من الناحية الإجرائية وسائل ملاحقة المتهمين بارتكاب هذه الجرائم ، والتحقيق معهم ومحاكمتهم بواسطة الدعوى الجنائية.
الفقه الجنائي في سورة يوسف عليه السلام
وقد تضمنت ” سورة يوسف ” كافة معالم النظام الجنائي الحديث والمعاصر حيث أبانت معالم النظام الجنائي الموضوعي بنوعيه العام والخاص، فابتدت ببيان ما فعله إخوة يوسف بأخيهم بعد التحايل علي أبيهم لاختطافة والتنكيل به ومحاولتهم قتله لولا تدخل أخيهم الأكبر لإقناعهم بإلقاءه في غياهب الجب، ثم انتقلت إلي جريمة مراودة امرأة العزيز ليوسف عن نفسه ، ولما باءت محاولتها بالفشل قامت بمعاونة زوجها العزيز بسجنه بدون ذنب، ثم تناولت السورة الجانب الإجرائى للنظام الجنائي من خلال المحاكمات الجنائية لتلك الجرائم السابق ذكرها
يوسف الصديق والمبادئ العامة للقانون الجنائي
لم يكن القرآن بآياته البديعة التي كشفت عن الجمال البلاغي مجرد سرداً قصصياً خالياً من العلوم والأسس العلمية التي من شأنها تقويم أداء الانسان في خلافة الأرض وإدارة وتنظيم شؤونه ضمن قواعد مجتمعية عادلة واليوم إذ نجول بين ثنايا القرآن فترمق عيني قوله تعالى ( قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ . قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ).
وعند تأمل هذه الآية و بعض الآيات الكريمة من سورة يوسف عليه السلام نستنتج أن نبي الله يوسف قد طبق مبدأين من مبادئ القانون الجنائي ومدى التزامه واحترامه للقانون رغم مايتمع به من منصب الرئيس التنفيذي الاعلى في البلاد.
والمعلوم أن من المبادئ العامة لقانون العقوبات هو مبدأ الشرعية الجزائية ( لاجريمة ولاعقوبة الا بنص ).
والمبدأ الاخر النطاق الشخصي لتطبيق قانون العقوبات وهذا المبدأ استثناء على المبدأ الاصل الذي يقضي بأن تطبق الدولة قانونها داخل اقليمها الخاضع لسيادتها.
ولكن في ظروف ينص عليها القانون تطبق الدولة قانونها على بعض مواطنيها ولو كانوا في دولة أجنبية والحديث في هذا الموضوع كثير ولكن الذي يهمنا لدى التأمل في بعض آيات القران وعلى وجه التحديد في سورة يوسف يتبين لنا مدى احترام نبي الله يوسف عليه السلام والتزامه بمبادئ القانون.
و هذا فضلاً عن فقهاء الشريعة والقانون حيث ركزوا على المبادئ التي ذكرها القران بصورة صريحة كقوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقوله تعالى ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وربما لم نجد في الكتابات ما يشير من أحداث يوسف النبي وعلاقتها بالقانون الوضعي الذي صنعه البشر خاصة بعد الثورة الفرنسية في أوروبا ولتوضيح ذلك سيكون حديثنا في ثلاثة نقاط :
النقطة الاولى : ان تفسير كلمة ( دين) التي وردت في قولهِ تعالى (كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ) تعني قانون وما يتبعه من نظام قضائي وتنفيذي فمفردة دين الملك يعني قانون الملك الذي يطبق في مصر.
النقطة الثانية: بعد أن أخبر نبي الله يوسف عليه السلام أخيه بأنه سوف يأخذه لإعلامه والحصول على موافقته وذلك لعدم مفاجئتهِ، في هذا المورد نرى أن نبي الله يوسف قد التزم واحترم النص القانوني عندما دبر هذه المكيدة ومن ثم بحث عن نص قانوني يجيز له حجز أخيهِ لديه وهذا مبدأ (لاجريمة ولاعقوبة الا بنص) .
النقطة الثالثة : أن نبي الله يوسف عليه السلام كان لا يبتغي تطبيق قانون مصر لان قانونها ينص على ضرب السارق وسجنه و تعويض ضعف ما سرق وهذا يؤذي آخاه و لايستفيد بضمه إليه ، فكان من حكمته عليه السلام وتدبير الله سبحانه وتعالى ان أستنطق أخوته هو أو من معه بسؤالهم (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين )؟ فكان جوابهم الذي يريده نبي الله يوسف أن قالوا (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) اي الجاني نفسه فحسب قانون بني اسرائيل في نطاقهم الاقليمي في شريعة ال يعقوب هو استرقاق السارق وذلك بتسليم السارق بما سرق ليكون عبداً لدى المسروق منه وايدوا قولهم ايضا ب ( كذلك نجزي الظالمين ) وفي هذه الحالة كان على نبي الله يوسف ان يُثبت الاتهام حتى يلزمهم بما الزموا به انفسهم وتعهدوا به.
وهذا هو الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه لما فيه من الحكمة والمصلحة العامة وهذا ماجاء بقوله تعالى (كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) .
والجدير بالذكر أن مبدأ النطاق الشخصي لقانون العقوبات الذي طبقه نبي الله يوسف في زمانه لازالت التشريعات الحديثة مترددة و لا تنص على تطبيقه كما طبقه نبي الله يوسف إذ أن تشريعات الدول الحديثة تطبق هذا المبدأ على مواطنيها في بلد أجنبي بعد عودتهم ولم تطبق على الاجانب قانونهم داخل أقليمها .
وعلى ضوء ما أشرنا إليه نصبو لأن تصل هذه الدعوى الى المختصين والباحثين لأخذها بنظر الاعتبار والبحث في هذا المبدأ المهم تبسيطًا للاجراءات وتحقيقاً للعدالة.
١ – (وجاؤوا علي قميصه بدم كذب) أهمية الدليل في كشف الجريمة .
٢ – أدوات الجريمة وأهميتها في كشف الحقيقه (القميص ، صواع الملك) ، كذلك الفعل (قد القميص وتمزيقه) .
٣ – القرائن وأهميتها في كشف الحقيقه (فأكله الذئب ، إلا أن القميص لم يكن ممزقاً) ، وقدت قميصه من دبر قرينه علي أن يوسف هرب من الوقوع في الجريمه ، وأنها كانت تلاحقه ليقع فيها .
٤ – (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك) دور الضحيه في إرتكاب الجريمه ، ولذلك لابد أن لا تؤخذ العواطف بالوقوف الي صف المرأة ، لاسيما في جريمة الابتزاز ، فقد تكون السبب الرئيسي في ارتكابها .
٥ – (وشهد شاهد من اهلها) اهليه الشهاده في إظهار الحقيقة .
٦ – (قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء) – (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه) الإعتراف سيد الأدله .
٧ – (قالو تالله لقد علمتم ماجئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) حق المتهم في الدفاع عن نفسه وإظهار براءته .
٨ – (قالو جزاءه من وجد في رحله فهو جزاءه) إلتزام الشخص بما تعهد به واجب شرعي وقانوني .
٩ – (ارجع ألي ربك فاسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) حرص المتهم علي إظهار براءته وان استدعي الأمر بقاءه في السجن ، فصيانة الشرف والعرض مطلب كبير وان أهدرت في سبيل ذلك الحريه .
١٠ – (وقال الملك إئتوني به) ليس كل من أغلقت عليه أبواب السجون متهماً أو مجرماً ، بل قد يكون بريئاً صالحاً ، الا ان العجله في الاتهام واغفال إجراءات الاستدلال قد تكون هي من اودعته بالسجن .
١١ – (ورفع أبويه علي العرش وخروا له سجدا) العظماء قد يكون ضمن محطاتهم في الحياه -زنزانه- ولا يضره وصمه بخريج سجون .